رواية المرآة وابنة الشماس البارت الرابع بقلم أحلام حسين غنيمات
رواية المرآة وابنة الشماس الفصل الرابع 4
مرت الأيام تباعًا على محمود وأنوار، وما زال محمود يبحث عن حسن ولا أثر له، حتى أن محمود بحث بالمشافي، وقام بالتبليغ عن فقدانه لدى مراكز الشرطة، ولم يعد عليه كل ذلك بشيء، وكأن حسن اختفى عن وجه البسيطة.
أما بالجانب الآخر حيث ريماس، فلم يتوقف معتز عن اظهار عشقه المكنون، إن لم يكن بقول قام به بفعل، بالاهتمام بكل ما تحب وجلب ما تتمنى وترغب، لكن ريماس ما زالت تحتجز نفسها بداخل قوقعة، لا ترغب بالخروج منها ورؤية الصورة الأجمل التي أرسلها لها الله على شكل معتز، الرجل بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فلولا ما قام به، لألحقت بها سمعة لو طالتها لالتصقت بها أبد الدهر، لكنها مغيبة عن رؤية عشق كعشق معتز، والسماح لاحتلال قلبها باحتلال ثائر كهواه.
معتز وهو يتجاوز باب غرفته للدخول إليها بعد سماح ريماس له:
_ كيف حال فاتنتي اليوم، أرجو أن تكون متألقة كما هي دائمًا.
_ بأفضل حال، شكرًا معتز، كانت تلك إجابة ريماس المختصرة لمعتز، حتى لا تسمح له بالتوغل أكثر لذاك القلب المكلوم، ولا تعلم أن قلبه مصاب وبشدة؛ من التجاهل واللامبالاة مهما فعل.
_ ريماس هلا خرجنا معًا لتغيير الجو، وقضاء وقت ممتع.
_ أيمكن أن نبقى هنا؟ فلا رغبة لدي بالخروج، فأنا أشعر بالتعب قليلًا.
كل هذا القول ومعتز يعلم بأن السبب الرئيسي لرفضها الخروج؛ هو خوفها من المواجهة، وعدم قدرتها على التصدي لكل من بالخارخ، فما زال من حولهم يستمر بالتلاسُن، وطبيعة ريماس وتحليّها بالهدوء والطاعة، لن تساعدها على المواجهة باكرًا، وتخطي كل صعب، وهو لن يسمح لها بتاتًا بالتقوقع والهروب، بل سيكون الدرع الحامي لها من كل شخص بهذا العالم، وينير لها الطريق كتُرْسُ الشمس.
_ لا ريماس، لا يمكن، فأنا أعلم بأنك تهربين من المواجهة، ولن أسمح لك بالضعف والإستكانة، أبدًا ما حييت، بل سأعلمك المواجهة والتصدي حتى بلوغ المراد، مهما كان، الا الابتعاد كما تفعلين معي، أنا أتألم بشدة، وأنت لا تشعرين بي، تُعارضين إرادة أسمى مني ومنك، إرادة المولى عز وجل، لو أراد لك الزواج من حسن لكُنتِ الآن حَليلَتَه، ولكنك زوجتي أنا أنااااا،
ليرتفع صوت معتز بقوله الأخير، متأثرًا بما يعانيه من نفور وعدم تقبل من قِبَل ريماس، لتنتفض من مكانها أثر ارتفاع صوته وتناديه باسمه،
_ معتز...
ليجيبها هو بقوله:
_ أوجاعه ومُسكِنَها، عِلَّتَهُ ودوائُها، مُنيَتـهُ والوصال منها مرفوض، لا تنظري لي هكذا فأنا عاشق، عاشق، لكل تفاصيلك، بحركاتها وسكونها، مللت البعد وبُغيتي الوصال، فهل من وصال يا قلب الماس.
لتنظر ريماس له بألم؛ لما يعانيه ابن العم من قِبَلِها من رفض، لكنها الآن قررت أن تخطو وتتجاوز وعليها المحاولة، فتقول له على استحياء:
_ هل لابن العم صبرًا يليق بكرم أخلاقه، فأنا أود الوصل، لكن كما قلت أنت سابقًا، راغبة بكلي، لا أرغب بأن أمنَّ عليك به، وأنت أهلٌ لأكثر من المنّ.
_ عيلَّ صبري يا قلب الماس، لكن لك كُلُ الصبر مني، بشرط التقرب لا التجاهل واللامبالاة بوجودي، حاولي التوغل في شخصي، فربما أنول الرضا قريبًا، قال كلمته الأخيرة بابتسامة أشرقت بها ملامحه الرجولية ذو البشرة السمراء، على أمل جديد؛ رزقته به قلب الماس خاصته.
أما هناك عند حسن بعالم الشماس، في وقت سابق لما حدث بالأرض، بعد إعطائه الإذن بمغادرة عالمهم، تقدم متوجهًا باتجاه الباب، ترافقه شموس وبعض أفراد الحرس؛ للتأكد من مغادرته، وحين وصل، أصابته الصاعقة! بأن اكتشف أن الباب قد أُغلِق، ولن يتمكن من العودة إلا حين يُفتح، فاضطرب وهاج، ودار حول نفسه علَّه يستطيع التفكير بشكل جيد، لكن قلقه تملك منه، وخوفه على عائلته، وريماس وما سيلاقيها بعدم حضوره، ليعلم الآن بأنه أخطأ خطًأ فادحًا بمجيئه ها هُنا، لن يسامحه عليه أبيه، لينظر لشموس التي تتساقط دموعها حزنًا على ما يعانيه، فهي الأعلم بها، ومن يعلم أكثر بقدر المعاناة إلا من عاصرها وعاش حياته بها، مثلها فقد قضت حياتها تنتظر أن يُفتح لها الباب، لكنه فُتح لعابر آخر، لشخص سيعاني ما عانت وما زالت تعاني منه.
توجه حسن لشموس مخاطبًا:
_ أخبريني بأن كل هذا حلم وسأستيقظ منه، أخبريني بأن الباب لم يغلق، أخبريني بأنني لن أُسجن ها هُنا، لا تقولي بأنني لن أتمكن من العودة، أرجوكِ، أرجوكِ.
_ اسفة، اسفة، كانت هذه كلمات شموس المتألمة، لما تراه من معاناة أمامها، عاشتها وما زالت تحياها.
ليتراجع حسن بعد أن انتكست هامته، وأيقن بأنه أخطأ حين عبر وظن أنها لحظات عابرة قليلة ويعود، لينظر لشموس قائلًا:
_ أرجوكِ قولي بأن الباب سَيُفتح وأعود، قولي.
_ سَيُفتح اذا قام أحدهم بفتحه متوازيًا متعامدًا، أفهمت كيف؟
_ تقصدين بأن يفتح من نفس المكان الذي عبرت أنا منه.
_ أجل هذا ما قصدت.
لِتُفتح أبواب الأمل أمام حسن، بأن الباب سَيُفتح بأي لحظة أكيد، لكن هل سَيُفتح الباب حقًا؟ وهل سيكون وقتها راغبًا بالعودة كما هو الآن؟
مضى الوقت على حسن مقيمًا بعالم الشماس، يتعلم كيفية التعايش معهم، فهو مجتمع وعالم تختلف فيه الحياة عما كان يُعاصره في عالمه، فهم يتمتعون بمزايا وقدرات لا يتمتع هو بها، لكن مع وجود الشماس له داعمًا، وسماحه له بالبقاء هنا؛ حتى يتمكن من العودة إن أمكن ذلك، لأنه لو لم يسمح بذلك لتمَّ نفيه لعالم آخر مُغاير، لن يستطيع منه العودة لعالمهم أو حتى لعالمه، والحكم على شموس بتدريبه، ليتمكن من التعايش معهم بنفس القدرات، جزاءً لها لسماحها له بالعبور ونطق الكلمات السرية؛ التي لولاها لما تمكن من العبور من الباب؛ حتى لو كان مفتوحًا، على شرط أو لنقل أمر بألا تتجاوز حدودها وتقرأ أفكاره، لكن هل ستستجيب شموس للأمر؟.
كان حسن جالسًا مع الشماس يتبادلان أطراف الحديث، ويعلم الشماس منه عن طبيعته ومعتقداته وأفكاره، وهل هو أهلٌ ليكون القرين الرفيق لشموس، دون أن يُخبره بعد أو يُخبر شموس، التي ما زالت لم تلحض وجود الختم الذي خُتمت به عُنُقَها، وأثناء حديثهم توجه حسن بسؤال الشماس:
_ أعتذر منك ولكن كيف لك أن تكون والدًا لشموس وأنت ما زلت شابًا في مقتبل العمر؟ لاحظت أن الجميع هنا لا يهرمون، كيف ذاك؟
ليبتسم الشماس تلك الابتسامة الرزينة، التي تُزين ملامح وجهه الهادىء مجيبًا:
_ أما عن شموس فهي ابنتي الروحية والقلبية، وأما نحن فشعب حُرِمَّ على أجسادنا الهرم، لكن بالمقابل نُحرم من قدراتنا وما نتميز به حين يموت القرين الرفيق خاصتنا، لنقل وقتها نهرم بحق بفقدان كل ما يتمثل لنا به، إن مات أحدنا مات الآخر، إما موت محقق أو موت روحي، فنحن متصلون مُنذ الولادة بختم يُحدد كل منا للآخر، فكل اثنان منا يحملان نفس الختم شكلًا ومضمونًا.
_ أتقصد بالختم ذاك الذي أراه على أعناق الجميع هنا.
_ أجل هو ذاك ما قصدت.
_ إذن من يحيا بهذا العالم، هل يتمتع بتلك الميزة؟.
_ أجل، يتميز بها كأي واحد منا، فبمجرد قبولي له بالإقامة هنا، أقر وقتها بحمله لجميع مميزات مجتمعنا كما شَهِدت، لكن وقتها القرين الرفيق له لم يولد معه، لذا عليه بالبحث عنه كما أنت.
_ لا أنا لست بحاجة للبحث فلدي خطيبة تنتظرني هناك، وعهد عليَّ إتمامه، ولولا عبوري لكنت الآن متزوجًا.
كانت هذه كلمات حسن التي أصابت الشماس بالحيرة!، فكيف يمتلك خاطِبة ويُختم باقترانه برفقة شموس، كل هذا وما يشعر به ويراه من نظرات مُختطفة من حسن باتجاه شموس، لا هُناك خطب بالأمر وعليه اكتشافه، فالختم لا يُخطئ اختياره، أخرجه من تفكيره قُدوم شموس باتجاههم، ورؤيته لتحفز حسن بمجرد رؤيتها، وكأن شموس الغيث الذي يهطل على قلبه فيرويه، وكيف لا وهو يعلم بأن ابنته ملائكية المُحيا والتصرفات، إن هي نزلت على قلب أحدهم أرهقته عشقًا وتعلقًا، وهذا ما يراه بعينيّ حسن المُكابر لما يشعر، هل هو فعلًا مرتبط بِمخطوبته الأرضية أم أن هناك شيئًا آخر كالعهد الذي ذكره ولابد له من الاستعلام عنه.
_ أبي، أبي، هل لي بأخذ حسن منك، فهو سيتدرب اليوم على بعض القدرات.
_ بالتأكيد عزيزتي، فعليه المضي قدمًا والتعايش ها هُنا،
لفت نظر حسن الختم المتواجد على عُنق شموس فهو مشابه لما شاهده على عُنقه أمس بالمرآة، أيعني ذلك بأنه القرين الرفيق لها، وأن هذا هو السبب الرئيسي في جعله مأسورًا لها، يشعر بأنها الفتاة التي يُريد، لا يرغب بالانفصال عنها ولو للحظات، تتسارع دقات قلبه للقفز من قفصه الصدري حين رؤياها، هي من خطفته منذ لحظتهم الأولى، من يشعر معها بسلب روحه والتوهان، حتى أنه لا يعلم على أي أرض يقف كما حدث وجاء هنا كالمسحور، يعلم بأنها متفردة، ذات شخصية مسيطرة، قوية، تفرض حضورها على جميع من حولها، وتحقق كل ما تريد، حتى لو كان مخالفًا لهم، وهذا ما كان يتمناه بمن يريد الإرتباط بها، لكن ماذا عن ريماس ووالديه، نفض عنه غُبار أفكاره، والتفت لمن تجعله يفقد السيطرة على ذاته، مستجيبًا لندائها له.
_ حسن، هيا بنا نذهب.
_ حسنًا، هيا.
ظلَّ صراعه الداخلي مستمرًا، وهو يسير خلف شموس كخطواتها تمامًا، فقد بات يُتقن السير مثل من هم في هذا العالم، ليسير طائرًا مرتفعًا عن الأرض قليلًا باستمتاع، لكن عليه الآن تعلم شيء جديد، ومع ذلك فيجب عليه أن يسأل عن الختم، لعلَّه كان مخطئًا بظنونه، يشعر بأنها قريبة منه وكأنه رآها قبلًا، تُشبه أحدهم لكن لا يعلم للآن من، ويجب عليه أن يتبادل معها أطراف الحديث ليعلم عن شخصها المزيد، فما زال عقله مشغولًا ويتساءل، لما كانت مستمرة بالنداء؟، وعلى من؟، هل هناك من شخص تعرفه وتحبه؟، عند هذا الخاطر انتفض قلبه بين ضلوعه رافضًا الفكرة، مِسكينٌ ذاك القلب، فما زال لا يعلم بأنها ربما تكون مُحرمة عليه، فكيف له بالوصل منها؟، الوصل من الخاطفة وهي مُحرمة، وهل حقًا هي مُحرمة؟
أما بالجانب الآخر حيث ريماس، فلم يتوقف معتز عن اظهار عشقه المكنون، إن لم يكن بقول قام به بفعل، بالاهتمام بكل ما تحب وجلب ما تتمنى وترغب، لكن ريماس ما زالت تحتجز نفسها بداخل قوقعة، لا ترغب بالخروج منها ورؤية الصورة الأجمل التي أرسلها لها الله على شكل معتز، الرجل بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فلولا ما قام به، لألحقت بها سمعة لو طالتها لالتصقت بها أبد الدهر، لكنها مغيبة عن رؤية عشق كعشق معتز، والسماح لاحتلال قلبها باحتلال ثائر كهواه.
معتز وهو يتجاوز باب غرفته للدخول إليها بعد سماح ريماس له:
_ كيف حال فاتنتي اليوم، أرجو أن تكون متألقة كما هي دائمًا.
_ بأفضل حال، شكرًا معتز، كانت تلك إجابة ريماس المختصرة لمعتز، حتى لا تسمح له بالتوغل أكثر لذاك القلب المكلوم، ولا تعلم أن قلبه مصاب وبشدة؛ من التجاهل واللامبالاة مهما فعل.
_ ريماس هلا خرجنا معًا لتغيير الجو، وقضاء وقت ممتع.
_ أيمكن أن نبقى هنا؟ فلا رغبة لدي بالخروج، فأنا أشعر بالتعب قليلًا.
كل هذا القول ومعتز يعلم بأن السبب الرئيسي لرفضها الخروج؛ هو خوفها من المواجهة، وعدم قدرتها على التصدي لكل من بالخارخ، فما زال من حولهم يستمر بالتلاسُن، وطبيعة ريماس وتحليّها بالهدوء والطاعة، لن تساعدها على المواجهة باكرًا، وتخطي كل صعب، وهو لن يسمح لها بتاتًا بالتقوقع والهروب، بل سيكون الدرع الحامي لها من كل شخص بهذا العالم، وينير لها الطريق كتُرْسُ الشمس.
_ لا ريماس، لا يمكن، فأنا أعلم بأنك تهربين من المواجهة، ولن أسمح لك بالضعف والإستكانة، أبدًا ما حييت، بل سأعلمك المواجهة والتصدي حتى بلوغ المراد، مهما كان، الا الابتعاد كما تفعلين معي، أنا أتألم بشدة، وأنت لا تشعرين بي، تُعارضين إرادة أسمى مني ومنك، إرادة المولى عز وجل، لو أراد لك الزواج من حسن لكُنتِ الآن حَليلَتَه، ولكنك زوجتي أنا أنااااا،
ليرتفع صوت معتز بقوله الأخير، متأثرًا بما يعانيه من نفور وعدم تقبل من قِبَل ريماس، لتنتفض من مكانها أثر ارتفاع صوته وتناديه باسمه،
_ معتز...
ليجيبها هو بقوله:
_ أوجاعه ومُسكِنَها، عِلَّتَهُ ودوائُها، مُنيَتـهُ والوصال منها مرفوض، لا تنظري لي هكذا فأنا عاشق، عاشق، لكل تفاصيلك، بحركاتها وسكونها، مللت البعد وبُغيتي الوصال، فهل من وصال يا قلب الماس.
لتنظر ريماس له بألم؛ لما يعانيه ابن العم من قِبَلِها من رفض، لكنها الآن قررت أن تخطو وتتجاوز وعليها المحاولة، فتقول له على استحياء:
_ هل لابن العم صبرًا يليق بكرم أخلاقه، فأنا أود الوصل، لكن كما قلت أنت سابقًا، راغبة بكلي، لا أرغب بأن أمنَّ عليك به، وأنت أهلٌ لأكثر من المنّ.
_ عيلَّ صبري يا قلب الماس، لكن لك كُلُ الصبر مني، بشرط التقرب لا التجاهل واللامبالاة بوجودي، حاولي التوغل في شخصي، فربما أنول الرضا قريبًا، قال كلمته الأخيرة بابتسامة أشرقت بها ملامحه الرجولية ذو البشرة السمراء، على أمل جديد؛ رزقته به قلب الماس خاصته.
أما هناك عند حسن بعالم الشماس، في وقت سابق لما حدث بالأرض، بعد إعطائه الإذن بمغادرة عالمهم، تقدم متوجهًا باتجاه الباب، ترافقه شموس وبعض أفراد الحرس؛ للتأكد من مغادرته، وحين وصل، أصابته الصاعقة! بأن اكتشف أن الباب قد أُغلِق، ولن يتمكن من العودة إلا حين يُفتح، فاضطرب وهاج، ودار حول نفسه علَّه يستطيع التفكير بشكل جيد، لكن قلقه تملك منه، وخوفه على عائلته، وريماس وما سيلاقيها بعدم حضوره، ليعلم الآن بأنه أخطأ خطًأ فادحًا بمجيئه ها هُنا، لن يسامحه عليه أبيه، لينظر لشموس التي تتساقط دموعها حزنًا على ما يعانيه، فهي الأعلم بها، ومن يعلم أكثر بقدر المعاناة إلا من عاصرها وعاش حياته بها، مثلها فقد قضت حياتها تنتظر أن يُفتح لها الباب، لكنه فُتح لعابر آخر، لشخص سيعاني ما عانت وما زالت تعاني منه.
توجه حسن لشموس مخاطبًا:
_ أخبريني بأن كل هذا حلم وسأستيقظ منه، أخبريني بأن الباب لم يغلق، أخبريني بأنني لن أُسجن ها هُنا، لا تقولي بأنني لن أتمكن من العودة، أرجوكِ، أرجوكِ.
_ اسفة، اسفة، كانت هذه كلمات شموس المتألمة، لما تراه من معاناة أمامها، عاشتها وما زالت تحياها.
ليتراجع حسن بعد أن انتكست هامته، وأيقن بأنه أخطأ حين عبر وظن أنها لحظات عابرة قليلة ويعود، لينظر لشموس قائلًا:
_ أرجوكِ قولي بأن الباب سَيُفتح وأعود، قولي.
_ سَيُفتح اذا قام أحدهم بفتحه متوازيًا متعامدًا، أفهمت كيف؟
_ تقصدين بأن يفتح من نفس المكان الذي عبرت أنا منه.
_ أجل هذا ما قصدت.
لِتُفتح أبواب الأمل أمام حسن، بأن الباب سَيُفتح بأي لحظة أكيد، لكن هل سَيُفتح الباب حقًا؟ وهل سيكون وقتها راغبًا بالعودة كما هو الآن؟
مضى الوقت على حسن مقيمًا بعالم الشماس، يتعلم كيفية التعايش معهم، فهو مجتمع وعالم تختلف فيه الحياة عما كان يُعاصره في عالمه، فهم يتمتعون بمزايا وقدرات لا يتمتع هو بها، لكن مع وجود الشماس له داعمًا، وسماحه له بالبقاء هنا؛ حتى يتمكن من العودة إن أمكن ذلك، لأنه لو لم يسمح بذلك لتمَّ نفيه لعالم آخر مُغاير، لن يستطيع منه العودة لعالمهم أو حتى لعالمه، والحكم على شموس بتدريبه، ليتمكن من التعايش معهم بنفس القدرات، جزاءً لها لسماحها له بالعبور ونطق الكلمات السرية؛ التي لولاها لما تمكن من العبور من الباب؛ حتى لو كان مفتوحًا، على شرط أو لنقل أمر بألا تتجاوز حدودها وتقرأ أفكاره، لكن هل ستستجيب شموس للأمر؟.
كان حسن جالسًا مع الشماس يتبادلان أطراف الحديث، ويعلم الشماس منه عن طبيعته ومعتقداته وأفكاره، وهل هو أهلٌ ليكون القرين الرفيق لشموس، دون أن يُخبره بعد أو يُخبر شموس، التي ما زالت لم تلحض وجود الختم الذي خُتمت به عُنُقَها، وأثناء حديثهم توجه حسن بسؤال الشماس:
_ أعتذر منك ولكن كيف لك أن تكون والدًا لشموس وأنت ما زلت شابًا في مقتبل العمر؟ لاحظت أن الجميع هنا لا يهرمون، كيف ذاك؟
ليبتسم الشماس تلك الابتسامة الرزينة، التي تُزين ملامح وجهه الهادىء مجيبًا:
_ أما عن شموس فهي ابنتي الروحية والقلبية، وأما نحن فشعب حُرِمَّ على أجسادنا الهرم، لكن بالمقابل نُحرم من قدراتنا وما نتميز به حين يموت القرين الرفيق خاصتنا، لنقل وقتها نهرم بحق بفقدان كل ما يتمثل لنا به، إن مات أحدنا مات الآخر، إما موت محقق أو موت روحي، فنحن متصلون مُنذ الولادة بختم يُحدد كل منا للآخر، فكل اثنان منا يحملان نفس الختم شكلًا ومضمونًا.
_ أتقصد بالختم ذاك الذي أراه على أعناق الجميع هنا.
_ أجل هو ذاك ما قصدت.
_ إذن من يحيا بهذا العالم، هل يتمتع بتلك الميزة؟.
_ أجل، يتميز بها كأي واحد منا، فبمجرد قبولي له بالإقامة هنا، أقر وقتها بحمله لجميع مميزات مجتمعنا كما شَهِدت، لكن وقتها القرين الرفيق له لم يولد معه، لذا عليه بالبحث عنه كما أنت.
_ لا أنا لست بحاجة للبحث فلدي خطيبة تنتظرني هناك، وعهد عليَّ إتمامه، ولولا عبوري لكنت الآن متزوجًا.
كانت هذه كلمات حسن التي أصابت الشماس بالحيرة!، فكيف يمتلك خاطِبة ويُختم باقترانه برفقة شموس، كل هذا وما يشعر به ويراه من نظرات مُختطفة من حسن باتجاه شموس، لا هُناك خطب بالأمر وعليه اكتشافه، فالختم لا يُخطئ اختياره، أخرجه من تفكيره قُدوم شموس باتجاههم، ورؤيته لتحفز حسن بمجرد رؤيتها، وكأن شموس الغيث الذي يهطل على قلبه فيرويه، وكيف لا وهو يعلم بأن ابنته ملائكية المُحيا والتصرفات، إن هي نزلت على قلب أحدهم أرهقته عشقًا وتعلقًا، وهذا ما يراه بعينيّ حسن المُكابر لما يشعر، هل هو فعلًا مرتبط بِمخطوبته الأرضية أم أن هناك شيئًا آخر كالعهد الذي ذكره ولابد له من الاستعلام عنه.
_ أبي، أبي، هل لي بأخذ حسن منك، فهو سيتدرب اليوم على بعض القدرات.
_ بالتأكيد عزيزتي، فعليه المضي قدمًا والتعايش ها هُنا،
لفت نظر حسن الختم المتواجد على عُنق شموس فهو مشابه لما شاهده على عُنقه أمس بالمرآة، أيعني ذلك بأنه القرين الرفيق لها، وأن هذا هو السبب الرئيسي في جعله مأسورًا لها، يشعر بأنها الفتاة التي يُريد، لا يرغب بالانفصال عنها ولو للحظات، تتسارع دقات قلبه للقفز من قفصه الصدري حين رؤياها، هي من خطفته منذ لحظتهم الأولى، من يشعر معها بسلب روحه والتوهان، حتى أنه لا يعلم على أي أرض يقف كما حدث وجاء هنا كالمسحور، يعلم بأنها متفردة، ذات شخصية مسيطرة، قوية، تفرض حضورها على جميع من حولها، وتحقق كل ما تريد، حتى لو كان مخالفًا لهم، وهذا ما كان يتمناه بمن يريد الإرتباط بها، لكن ماذا عن ريماس ووالديه، نفض عنه غُبار أفكاره، والتفت لمن تجعله يفقد السيطرة على ذاته، مستجيبًا لندائها له.
_ حسن، هيا بنا نذهب.
_ حسنًا، هيا.
ظلَّ صراعه الداخلي مستمرًا، وهو يسير خلف شموس كخطواتها تمامًا، فقد بات يُتقن السير مثل من هم في هذا العالم، ليسير طائرًا مرتفعًا عن الأرض قليلًا باستمتاع، لكن عليه الآن تعلم شيء جديد، ومع ذلك فيجب عليه أن يسأل عن الختم، لعلَّه كان مخطئًا بظنونه، يشعر بأنها قريبة منه وكأنه رآها قبلًا، تُشبه أحدهم لكن لا يعلم للآن من، ويجب عليه أن يتبادل معها أطراف الحديث ليعلم عن شخصها المزيد، فما زال عقله مشغولًا ويتساءل، لما كانت مستمرة بالنداء؟، وعلى من؟، هل هناك من شخص تعرفه وتحبه؟، عند هذا الخاطر انتفض قلبه بين ضلوعه رافضًا الفكرة، مِسكينٌ ذاك القلب، فما زال لا يعلم بأنها ربما تكون مُحرمة عليه، فكيف له بالوصل منها؟، الوصل من الخاطفة وهي مُحرمة، وهل حقًا هي مُحرمة؟
يتبع الفصل الخامس اضغط هنا
الفهرس يحتوي على جميع فصول الرواية كاملة :"رواية المرآة وابنة الشماس" اضغط على اسم الرواية
تعليقات
إرسال تعليق