رواية لعبة الهوى البارت الخامس بقلم زيزي محمد
رواية لعبة الهوى الفصل الخامس
بعد مرور فترة..
وضعت أيسل الملعقة جانبًا، ثم التقطت منديلاً وبدأت في تنظيف فمها برقة، ومن بعدها بدأت تتجول بعينيها في أرجاء المطعم هروبًا من نظرات شهاب لها، فبالرغم من مرور عامين على علاقتهم، إلا أنها مازالت تخجل منه، ومن نظراته العابثة تلك.
- اهربي حلو مني، بس على مين، كلها تلات شهور بالظبط وهتكوني في بيتي.
ابتسمت وهي تقول بتعجب زائف :
- أنا بهرب منك ليه، ده الديكور بتاع المطعم عاجبني بس.
ضحك شهاب بخفه ثم قال متذكرًا :
- فين رقية، بقالها كام مرة نخرج مع بعض، متجيش ياعني.
ابتعد عنها الخجل وهي تهتف بحماس وسعادة :
- اسكت يا شهاب، ده بقالها كام مرة بتخرج مع حمزة وبترجع الحمد لله مبسوطة، واتغيرت اوي، الحمد لله أنا حاسة إن الخطوبة بدأت تاخد طريق جد شوية.
ارتشف شهاب العصير وهو يسأل في ريبة :
- طريق جد إزاي؟!، هي كانت هزار الاول.
زفرت بضيق، وهي تقول :
- مقصدش كده، أقصد إنها بدأت تاخد عليه أكتر، وهي بدأت تتغير للأحسن، الاول كنا حاطين ايدنا على قلبنا من الخوف انه يسيبها، دلوقتي خلاص حسينا إن حمزة قدر يفهمها أكتر، فهمت.
- فهمت، ربنا يهديها أصلها ماتتعاشر بجد.
احتدت ملامحها وهي تقول في انفعال :
- شهاب أنا بحذرك كتير من طريقتك على ريقة، مينفعش أبدًا تتكلم عن أختي كده، لو اتكلمت عنها وحش كأنك بتتكلم عليا بالظبط.
عقد شهاب ذراعيه أمامه في غيظ مردفًا :
- يا سلام، وبذمتك اللي كانت بتعمله فينا ده كان عادي يعني، بقولك يا أيسل هو أنتي ليه مخرجتيش معاها ولا مرة زي ما كانت هي بتخرج معانا.
هزت أيسل كتفيها في لامبالاة، وهي تجيبه :
- ببساطة علشان هي مقالتليش، لو كانت قالت كنت خرجت عادي.
ارتفع جانب فمه في نصف ابتسامة ساخرة وهو يقول :
- ده على أساس إنك كنتي بتقوليلها تعالي معانا فهي رأفة بينا كانت بتيجي، أو مش هي مثلاً كانت بتيجي معانا غصب وبالإكراه.
ارتفع الغضب أخر مراحله معها فقالت بعصبية خافتة وهي تشير بأصابعها مهددة:
- شهاب لتاني مرة بحاول أفهمك وأقولك بلاش تحط رقية في دماغك، علشان أنت اللي هتكون خسران في الأخر، دي أختي وياريت تفهم معنى الكلمة دي، أنا هدخل التواليت علشان دمي اتحرق.
نهضت في ثانية، دون أن تستمع لرده، وانطلقت صوب المرحاض في ضيق بالغ، هكذا فسد يومها بكل بساطة، ولكن لا يهم، فالأمر هنا يمس غاليتها رقية، تنهدت حينما شعرت وكأنها ورقة خريف ضائعة ما بين نصائح رقية وأفعالها التي كانت من مبرر الأخوة، وعنفوان شهاب وكرهه لرقية، فهي بالنهاية جزء لا يتجزأ من أختها حتى وإن كان الفارق الفكري بينهم كبير.
أما شهاب فكان يسبح بأفكاره في ذلك البحر المظلم الذي وحل نفسه به، لم يعرف سبب غضبه على أيسل، تُرى بسبب عذاب ضميره الذي أنهك مشاعره وعقله في تخيلات مستقبلية مفزعة، مجرد التفكير بها تجعل هذا المكان الواسع والشاسع ليس سوى غرفة مغلقة حالكة بالسواد، وهو يقف بالمنتصف لا يجيد أي طريقة للهرب.
هز رأسه في عنف وكأنه يبعد عنه تلك الذكرى السوداء التي جعلته يتلوى ندمًا حتى وإن كان بينه وبين نفسه، دون الإظهار بذلك، وقف تفكيره عند لحظة ما، كاد يقتل روحه المتعلقة بتلك الذكري، إلا أنه عاد إليها باستسلام يتذكر تفاصيل ذلك اليوم المشؤوم.
****
ترجل من سيارته بغضب، ثم أغلق الباب خلفه في عجالة ومن ثم عبر الطريق في خفة، وبصره معلقًا بالكافية الجديد المالك لأحد أصدقائه، دخل في حذر وهو يبتعد عن صناديق الدهان الكبيرة، وأشياء الديكور الملقاة في كل مكان، وقف بالمنتصف يبحث عن صديقه حمزة، ذلك الشاب الذي فقد عائلته في وقت باكر ولم يتبقى منها سوى أخيه الأكبر المهاجر للنسما، ابتسم بفخر لذكائه حينما وقع اختياره عليه تحديدًا، مميزاته تدفعه دفعًا نحو تنفيذ خطته، التي أصر على تنفيذها حتى لو كانت عواقبها مخيفة.
انتفض شهاب حينما شعر بيد حمزة تقبض على كتفه من الخلف، قائلًا :
- أهلا يا شهاب باشا.
التفت شهاب في عجالة، ورمق صديقه في تأمل بنظرات قوية جامدة خالية من أي اضطراب لمشاعره، فهذا الوقت تحديدًا لن يبقى هناك بداخله ذرة عطف اتجاهها، لقد طفح الكيل منها، ومن أفعالها التي كانت متعمدة بها..رفع أصابعه يقرص أنفه بقوة وهو يقول بنبرة رخيمة :
- حمزة، شوفلنا مكان نقعد فيه، عاوزك في كلمتين مهمين.
ضيق حمزة حاجبيه بتعجب من جدية شهاب المفرطة في تلك اللحظة، ولكنه كتم ذلك وجذبه نحو الخارج، ثم جلسا على طاولة صغيرة في صمت قطعه شهاب بقوله الذي أثار قلق حمزة بسببه :
- أنت طبعًا عارف إننا صحاب، والصاحب المفروض يقف جنب أخوه في محنته وشدته، صح.
رفع حمزة حاجبيه عندما لمح من بداية الحديث تلميحات شهاب المبطنة، ولكنه قرر التزام الصمت حتى ينهي شهاب ما أتى به في عجالة وعيناه تشع غضبًا في تلك اللحظة، بينما استطرد شهاب قوله دفعًا واحدة خوفًا أن يستسلم لذلك النداء الذي يحاول إنهاء ما يخطط له، فقال :
- أنت طبعا كنت مزنوق، واستلفت مني مبلغ..
قاطعه حمزة في ثوان قبل أن يُكمل شهاب ما يقوله :
- امم مش محتاج افتكر هو كان قد إيه، ولا ولا محتاج أعرف أن المعاد اللي قولتلك هسدده فيه لسه مجاش، ولا كمان محتاج أعرفك إن لو سحبته من الكافية حاليًا قبل ما افتتح الاسبوع ده، هخسر قد إيه!!.
- وأنا مش عاوزهم، بس أنا كنت محتاج أعرفك إني صاحب جدع علشان اللي هطلبه منك مترفضوش.
ابتسم حمزة متهمكًا :
- لا أنت مبتعرفنيش، أنت تقريبًا بتزليني، من غير ما تعرفني أنا شايلك جميلها فوق راسي، والمفروض مكنتش تدخل الدخلة الغلط دي، عندك طلب اطلبه من غير كلام يزعلنا من بعض.
فرك شهاب وجهه بين كفيه في عصبية ليقول :
- أنا وصلت لمرحلة مبقتش عارف ايه الصح وايه الغلط، أنا حياتي بتدمر يا حمزة قدام عيني، وأنا واقف مش عارف أعمل حاجة.
جعد حمزة جبينه وهو يسأله :
- إزاي ياعني بتتدمر، فيك إيه يابني.
- في إن أخت أيسل واقفالي بالمرصاد، قاصدة تبعدني عن أيسل، بتكرهها فيا، بعد حب سنتين، الست أيسل فجأة شايفه إن بعمل حاجات غلط تصرفاتي كلها متصحش، أنا وأيسل بعدنا عن بعض، بقينا في لحظة زي السما والأرض وده كله بسبب العقربة أختها.
قال حديثه بشيء من العصبية والقهر، فزاد تعجب حمزة لِمَ يستمعه، واسترسل شهاب حديثه في حقد وكراهية لرقية :
- دي يابني جحودها وصلها، إنها بتخرج معانا كل مرة، قال إيه خايفة على أيسل مني، أنا بقيت شاكك والله إن مش خاطبها، أفعالها وتصرفاتها كلها بتكرهني، ده غير بقى بتمسك ودان أيسل كلام زي الزفت عني، والهبلة خطيبتي بتجي وتحكيلي من باب خد بالك من تصرفاتك شوية، حقيقي وصلتني لمرحلة إن بقيت أكرهها مع إني والله مكنتش كده.
تريث حمزة قليلًا قبل أن يقول بحكمه ورزانة :
- بسيطة يابني، قول لخطيبتك متحكيش حاجة تاني ليك، وأنت أبعد عن أختها، والموضوع انتهى.
هز شهاب رأسه باستهجان، وهو يقول :
- لا الموضوع مش بالبساطة دي، بالعكس هو أكبر من كده، أنا جربت كل الحلول مع أيسل وفشلت، أختها مش مدياني فرصة، نازلة بالعصاية على دماغي لما خلاص اكتفيت منها.
ضحك حمزة وهو يحاول تخفيف حدة الوضع :
- مش عيب لما تبقى شاب كبير ومحترم، وتقول كده، ده حتى عيب على العضلات اللي بتربي فيها بقالك قرن.
زفر شهاب بقوة وهو يحاول تخفيف آلام رأسه، بالتدليك في جانبيها، قائلًا بعجز :
- متهزرش، علشان على أخرى، أختها دي عقربة يا حمزة، حقودة، صعبان عليها إن أنا وأيسل نعيش حياتنا ونتبسط، لا إزاي تبدأ بقى تدمر حياتي وحياة أختها بكل أنانية وجحود.
ظهر الاشمئزاز على وجه حمزة، فقال :
- الله يكون في عونك يا شهاب، ربنا يعينك على المصيبة دي.
صمتت الألسن في دقائق قصيرة، كلاً منهما يفكر بطريق مختلف، حمزة وقلقه بشأن طلب شهاب المجهول، وشهاب وصراعه مع نفسه ومبادئه، ولكن رقية لم تترك له طريقًا واحدًا لهدم خطته التي سيطرت على كيانه، وأقسم على تنفيذها، حتى وإن كانت تلك الحرب التي سيخوضها مكاسبها مجهولة، ولكن غضبه صور له أنها أقصر وأسرع طريقة للتخلص منها دون مشاكل، يكفي ما يشعر به الآن بسببها، يكفي ما آل إليه في علاقته بأيسل، فتلك المرحلة تحديدًا من أصعب وأشد ما مر به، وجود رقية همًا كبير يحمله فوق عاتقه، كلماتها التي كانت كالسم هدمت أي روابط بينه وبين أيسل، وجودها يعيق حياته بشكل أنه لن يمضي خطوة واحدة للأمام، فهي تمثل تعاسته وعليه أن يتخلص منها..
رفع بصره يحدج بحمزة في قوة وكأنه يبحث عن تلك الشجاعة التي هربت منه أثناء انغماسه اللحظي في التفكير بما يدور بداخله، لمعت مجددًا أمام عيناه تصرفاتها وأفعالها، فانطلق كالمجنون يقول في رجاء أدهش حمزة، وجعله يتخبط بين كلمات شهاب التي وقعت عليه من العدم وتوسعت عيناه لها :
- حمزة أنا طالب منك، إنك تقرب منها، تقنعها إنك بتحبها، أقولك زاولها، خليها تبعد عني، لغاية بس ما أقدر اتجوز أيسل من غير مشاكل، أضمن إن أيسل في بيتي وخلاص أنا كده هرتاح، فترة صغيرة وبعدها فركش خطوبتك منها.
تفرقت شفتاه في صدمة، يحاول استيعاب حديث شهاب المفاجئ والصادم، فسأل في ببلاهة، لأول مرة تتملك منه:
- خطوبة مين لامؤاخذة.
تنهد شهاب قبل أن يحاول شرح حديثه مرة أخرى بطريقة أوضح :
- يا حمزة أنا طالب منك، تخطب أخت أيسل، فترة صغيرة بس، تبعدها عني لغاية ما أقدر اتجوز أيسل وارتاح.
- ترتاح أنت، وأتعذب أنا، أمرك غريب يا أخي.
قالها حمزة في اعتراض قوي!.
- تتعذب في إيه، مش فاهم.
التوى فم حمزة في سخرية قبل أن يجيب :
- هتفهم ازاي وأنت معدوم الإحساس والضمير، عاوزني يا جاحد اخطب واحدة وأمثل عليها وازاولها علشان أنت يفضالك الطريق مع خطيبتك، إيه كمية العبط ده، أوعي ياعم من وشي.
نهض حمزة في عصبية، فحاول شهاب إيقافه وهو يهتف بعتاب يتخلله رجاء :
- هي دي واجب الصحوبية يا صاحبي، أطلب منك طلب زي ده، ترفض بالشكل المهين ده.
- ده أنت لو مسكتش هـ أهينك أكتر من كده، ده أنا على لساني شتايم والله، بس مانع نفسي بالعافية.
حاول شهاب كسب تعاطفه، وهو يقول :
- يابني أنت مش متخيل أنا في عذاب إزاي، على فكرة هي تستاهل يا حمزة كل حاجة دي واحدة حقودة وبتغير من أيسل علشان هي أحسن منها، وعاوزة تدمر حياتنا، أنت مش متخيل الشخصية دي عامله إزاي، أنت لو عاشرتها يوم واحد هتكره حياتك.
- مش عاوز ياعم أقرب منها ولا أعرفها، وأنت حر في مشاكلك، ولو على فلوسك اللي عندي، من دلوقتي اديهالك عادي، بس اللي أنت بتقوله ده على جثتي يحصل، فاهم ولا لأ..
****
عاد شهاب من تلك الذكرى، وهو يبتسم بتهكم، فكل ما خطط له، تحقق حتى أن أهدافه بدأت تتجسد أمامه، الفضل لذكائه الذي ساعده في كسب تعاطف حمزة فيما بعد، عندما خاض محاولات عديدة في إقناعه، فهو الأنسب والأجدر للقيام بتلك المهمة، وقد كان، وقاربت على الانتهاء، وستسدل الستار قريبًا دون أي عواقب أو مصائب.
هو
الغرور هو بداية الهزيمة، هو تلك الغمامة التي تعيق رؤيتنا، تهدم مبادئنا، الغرور هو بداية الظلام، فهو ببساطة بداية النهاية!.
*****
بكافية حمزة..
رفعت رقية كوب القهوة الساخن وارتشفت منه القليل في انتظار حمزة، فقد شارف دوامه على الانتهاء وستعود معه للمنزل كما اتفقت معه في بداية اليوم، فوالدتها قد أصرت على مجيئه للعشاء معهم.
اليوم منذ بدايته وهي في حالة صفاء غريب، وكأن الربيع داهم الكون فجأة، أو داهم صدرها هي فقط، فذلك الضباب الذي احتلها لفترة طويلة، بدأ بالتلاشي تدريجيًا حتى وصلت لتلك المرحلة، مرحلة لم تتخيل قط أن تصل إليها، والفضل بالتأكيد له.
حمزة إنسان رائعًا، مميزًا، واسع الإدراك، صفاته كانت السبب في انهيار تلك الحصون التي وضعتها لحماية قلبها، لينصهر فؤادها دون إرادة منها، وأجبرها على المضي في دروب العشق والهوى.
اقترب حمزة منها بجسد يطالب بالراحة، فمنذ الصباح وهو يحاول تنظيم كل شيء لذلك الافتتاح الذي يحضر له على نطاق أوسع وأكبر بالإضافة إلى عقد قرانهم الذي سيقام أثناء الافتتاح، جلس بالمقعد المجاور لها بإنهاك، لاحظته هي، فقالت بصوت ناعم وهادئ :
- أنا كنت شايفه من الأول أنه بلاش الافتتاح التاني ده، مصاريف على الفاضي، وأنت كمان تعبت جامد.
هز رأسه في نفي وهو يقول بنبرة مجهدة :
- لا الافتتاح ده مهم جدًا، اعتبري إن الشغل اللي بعده هو اللي هيكون الأهم، أنا لما فتحت الكافية ده كان مجرد بداية بسيطة وبجرب على الهادي، بحاول اكتشف الأخطاء وأصلحها، لكن دلوقتي وكمان لما قدرت اضم الجزء اللي جانبي وأوسع في الكافية، لا بقى
أنا لازم أعمل افتتاح صح، يهز المنطقة دي ويجذب الانظار للمكان، وبعدين اعتبري إنه هو البداية للكل حاجه حلوة جاية بعدين، مش كفاية كتب كتابنا هيبقى في نفس اليوم كمان.
بللت شفتاها في خجل ورقة وهي تقول بتلعثم خفيف :
- الافتتاح الاول بالنسبالي هو اللي كان بداية كل حاجه حلوة، بسببه اتعرفنا على بعض.
شعور بالخزي من نفسه تملك منه، فاهتزت ابتسامته، وانهار ثباته الذي يحاول التمسك به أثناء جلوسهم معًا، فأين له الصبر، أمام تلك العيون الصادقة، والوجه الحسن ذو الملامح الرائعة، والقلب الغض الذي لم يمسه أي شوائب من قبل، وهو على يده سيهد كل شيء عاجلاً ام أجلاً.
سرقت انتباهه حينما قالت بتردد:
- انت متخيل إنك لغاية دلوقتي مفرجتنيش صورنا مع بعض.
- بجد، أنا نسيت، استني اوريهملك.
أخرج هاتفه من جيبه، وبدأ بالبحث به، وهي تنتظر في قلق، بعدما شجعت نفسها لتسأله عن أمر تلك الصور، فهي بداخلها تخشى من ملامحها على الرغم من جمالها، انطفئت لدرجة، أنها لم يعد لديها الثقة في ذاتها، فصور لها خيالها، أنه هو بوسامته المهلكة سيكون الأجمل منها، وهي لاشيء بجانبه، ثغرات تحتفظ بها، ولن تفصح عنها أبدًا لأي شخص كان، يكفي ما تشعر به نتيجة لانعدام ثقتها.
استفاقت على اعتذاره :
- معلش كنت برد على مسج، المهم الصور أهي، اتفرجي.
مالت برأسها ناحيته قليلًا، فضرب أنفه رائحتها الجذابة، اخترقت خلاياه، وجعلته في حالة هيام وغرام تحت سطوة عطرها..
مرر بأصبعه الشاشة، وهو يقلب بين الصور، وهي في حالة صمت، قسمات وجهها كانت خالية من أي مشاعر، انتابه القلق، وأراد أن يخرجها من قوقعتها تلك، فأشار على صورة كانت عيناها تلمع بها كالألماس فقال مغازلاً :
- إيه القمر ده، البسي عدسات علشان عينك الحلوة دي متخطفش قلب حد.
- أنا عيوني حلوة اوي كده.
فتح فمه مندهشًا، ثم قال :
- نعم، هو أنتي مش واخده بالك من عينك، دي أول حاجة شدتني.
نبرته كانت صادقة، فنسي نفسه وقرر خوض مشاعره بطريقة أوضح، لعله يطفئ تلك النيران التي تندلع بصدره كلما ثبتت بصرها عليه، بوجهها الملائكي هذا، وتحديدًا ذلك الضعف الذي قرأه بنظراتها، وأشعل لديه فتيل مشاعره دون مراعاة لِمَ يعانيه أو يكمنه بداخله.
- بحس إن عيون أيسل أحسن، أوقات بقول ياريتهم كان لونهم بني، أنا بحب اللون البني.
ضحك وهو يشاكسها :
- أنتي مجنونة، في حد عينه زرقه ومش عاوز النعمة دي، ياريتني كنت أنا، كنت زماني عملت حاجات..
سألته في لهفه :
- زي إيه مثلاً.
اقترب منها بجسده وهو ينظر في عمق عيناها، معترفًا أنه ليس سوى مجرد أسير لهما، فقال بنبرة عبثية خافته :
- كنت سحرت بيهم قلوب وعقول اللي بحبهم.
تقرفت شفتاها في ابتسامة رائعة خجلة، فقالت بتلعثم :
- لون عيونك... بردوا بحبهم، أأ..، أقصد لون..كل الناس ..بحبهم.
ضحك بقوة على حالتها المرتبكة تلك، وهي تحاول الهرب من نظراته الوقحة التي احتلت عيناه.
نهضت بخفه تنهي جلستهم، وذكرته بميعاد العشاء، وانطلقت نحو الخارج في عجالة، ارتفعت نبضات قلبها وكأنها في سباق، بالرغم أن حديثه لم يكن صريح ليعبر عن حبه، إلا أنها شعرت به، لمسته في كل تفصيلية صغيرة تصدر منه، استطاعت الهرب من نظراته العابثة، ولكن لن تستطيع الهرب من قلبها وحبه الذي استوطنها، فبات أمر واقع لن تفر منه، وليس أمامها سوى أن تقر وتعترف بأنها وقعت بالحب دون أن ينقذها معتقداتها وأفكارها، متخيلة أن حياتها الوردية ها قد بدأت في الظهور للنور، ولم تعرف أن ذلك النور، يكمن خلفه ظلام يكفي للالتهام قلوبنا بجمرات من الغرام..
يتبع الفصل السادس اضغط هنا
تعليقات
إرسال تعليق