رواية لقيطة ولكن البارت الخامس 5 بقلم إسراء عبد القادر الوزير عبر مدونة كوكب الروايات
رواية لقيطة ولكن الفصل الخامس 5
كانت تمارا تقف امام المرآة تطالع هيئتها في حين تمشط شعرها الحريري بانسيابية، في حين أتاها نضال من الخلف محتضنا إياها بينما يقول بحب:
_ صباح الخيييير
اجابته تمارا وهي ترمق انعكاسه على المرآة قائلة بدلال:
_ صباح الفل يا حبيبي
قبَّل عنقها بنعومة ثم ابتعد عنها قليلا ليزيح شعرها إلى جانب واحد ثم يخرج من جيبه عقدا ألماسيا متقن التصميم مزخرفا بشكل خيالي يخطف الأبصار، ثم وضعه حول رقبتها لينفغر فاهها من الصدمة، فتستدير بمجرد أن ينتهي من تركيبه ثم تقول بنبرة سرور واضحة:
_ ميرسي اوي اوي يا نضال
أحاط خصرها بيده قائلا:
_ العفو يا روحي
قاطعت لحظتهما الرومانسية طرقة بالباب ليذهب باتجاهه ثم يفتح الباب فيجدها الخادمة ومعها طاولة الطعام المتحركة والتي أمر بقدومها مع الإفطار كي يفطر مع حبيبته بذات الغرفة دون عناء النزول والصعود، ما ان خرجت الخادمة حتى التفت نضال إلى تمارا مناديا:
_ الفطار يا تمارا
وضعت تمارا المشط على طرف الكومود الخاص بالمرآة ثم اقتربت منه حتى جلست على طرف السرير بينما شرع نضال في تناول الطعام تحت انظارها المرتقبة، حتى لحظها نضال الذي ترك قطعة الخبز ثم أردف يقول متسائلا:
_ مابتاكليش ليه؟
نظرت إليه بخبث ثم اردفت تقول باهتمام:
_ بفكر
أمسك بقطعة الخبز من جديد ثم أردف يقول متسائلا:
_ ف إيه؟
اجابته بلا مقدمات وقد بدا على صوتها التوجس:
_ عارفة ان عندك شحنة تسليم بعد أسبوعين وعارفة انك اكتشفت الخاين اللي بيورد لريان المعلومات وهتقتله هناك
ثم استطردت تقول بوجوم:
_ بس الصراحة خايفة يكون في عين تانية لريان تفضح التسليم ولا جريمة القتل
حدَّق بها بتركيز في حين يقول متسائلا:
_ يعني عايزاني أعمل إيه طيب؟
اشتعلت عيناها بحقد شديد في حين تقول:
_ اقتل ريان يا نضال
قطب جبينه في تعجب محاولا التفكير بأبعاد ما تفوهت به تمارا من خطة شريرة، ثم سرعان ما ابتسم بشر وقد التمس النصر من هذا الاقتراح خاصة وأمامه الوقت لذلك، التفت إليها قائلا بايجاب:
_ معاكي حق يا حبي
ابتسمت بانتصار وقد حققت مرادها بأخذ الثأر من رجل لم يقدِّر حبها ويعطيه قيمته الحقيقية، إذا فالهلاك موعده لا محالة!
بعد مرور يومين، حضر راضي مستجيبا لعزيمة ريَّان وآسيا واللذان استقبلاه بترحاب شديد، فتناول معهم ما لذَّ وطاب من الاصناف بوجبة الغداء، وما أن انتهوا حتى جلس كل من ريان وراضي بالصالون حيث ارتشف راضي من كأس العصير الخاص به ثم التفت إلى ريان متسائلا:
_ إي أخبار القضايا اللي بتمسكها بقى يا ريان؟
أجابه ريان بابتسامة:
_ فل الحمد لله
أتت آسيا وهي تمسك بصينية عليها أطباق من البسبوسة بينما تقول بسعادة:
_ شرفتنا والله يا أونكل
_ تسلمي يا آسيا
أردف ريان مع ابتسامة واسعة مرتسمة على ثغره:
_ علفكرة، عمر ما آسيا تاخد على حد بالسهولة دي إلا اما تكون ارتاحت له، محظوظ انت يا عمي
التقط راضي طرف الخيط الأول الذي يبتدئ به الكلام قائلا بهدوء:
_ أكيد لازم تاخد على حماها يا ريان
اماء ريان برأسه مجاملا في حين يقول:
_ طبعا إنت ف مقام ابويا بالظبط
قاطعه راضي بنبرة احتدت حبالها حتى صارت متملكة:
_ لا أنا أبوك فعلا يا ريان
سكنت قسمات ريان في حين يحدق به باستنكار بينما تردف آسيا باستفهام:
_ حضرتك بتقول ايه يا اونكل؟
لم يزح بصره عن ابنه مكملا بجمود:
_ أيوة أنا ابوه راضي شعلان، مش مختار الشرقاوي
انتفض ريان عن جلسته وكأنما أصيب بصعقة كهربائية في حين يهتف وهو ينظر الى راضي مستهجنا:
_ بتقول أي يا أستاذ راضي؟! هو انت تعرفني أصلا عشان تقول كدة؟ ابنك منين انا؟
التفت اليه راضي ليجد عينيه تحولتا بلحظة إلى الاشتعال فقال بجدية:
_ دي الحقيقة انا ابوك الحقيقي ومختار كتبك باسمه
هتف ريان بنفس الاستهجان:
_ وأبويا كان اعترف بيا ليه طالما انا مش ابنه؟!
وقف راضي بهدوء ليواجه معالم ابنه الصارمة بثبات موضحا:
_ عشان انا كنت متجوز أمك زينب عرفي، ولما عرفت انها حامل رفضت اعترف بالولد واتحمل المسؤولية، ساعتها مختار صاحبي ورفيق عمري اختار انه يتجوزها ويعترف بيك يا ريان
_ انت كدااااااب!
صرخ بها ريان بهستيرية صمَّت الجدران بينما جعلت الرعب يدبُّ بقلبه بينما تبادر آسيا متسائلة باتهام:
_ فيلم إي اللي بتقوله ده يا اونكل راضي؟! إن كان المتكلم مجنون يبقى المستمع عاقل، إزاي عايزنا نصدق الكلام ده؟!
حدجه ريان بنظراته البركانية هاتفا بغضب:
_ إطلع برة، وما تورينيش وشك تاني
وتحت أنظار راضي المتألمة نزعت آسيا الاسورة والخاتم من يسراها ومعهما العقد الغالي ثم ناولتهم إليه قائلة بامتقاع:
_ واتفضل حاجتك دي، شكرا يا بيه
تنهد بتعب قبل أن يلتقط القطع الثمينة من بين اناملها ثم يخرج من جيبه ورقة بيضاء مطوية باليد الأخرى ملتفتا إلى ريان المحتقنة الدماء بوجهه قائلا بصلابة تعكس وخزة كبيرة من الألم بداخله:
_ دي ورقة وصلت لي من المرحومة أمك قبل ما تسافر مع مختار علطول، هتفهم منها كل حاجة
ترك الورقة على المنضدة المستديرة أمامه ثم استدار إلى الجهة الأخرى متجها إلى الخروج، فأسرع ريان إليها ممسكا بها ففتحها ليقرأ محتواها وقد بدأ القلق ينهش بفؤاده يتمنى وبشدة لو كان ما سمعه خطأ، عادت آسيا بعدما اغلقت الباب خلف راضي لتجد ريان قد انقلب وجهه الوانا واصطكت أسنانه من شدة الغضب، فقد قبض على الورقة بين أنامله حتى كاد يعتصرها ثم ألقاها أرضا بإهمال واتجه إلى الغرفة وخطواته تصدم الأرض من فرط انفعاله، فاسرعت آسيا لتلتقط الورقة المجعدة ثم تبسطها وتقرأ ما بها فتصيبها الصاعقة حيث كان مدوَّنا بها:
((خلاص برَّأت ذمتك مني بمجرد ما لقيت هتشيل مسؤولية بارتباطك بيا! بس الحمد لله ربنا ما بيريدش للعبد إلا الخير، صاحبك مختار هيتجوزني بمجرد ماولد وهيعترف بابني وابنه، أصل انت ما تستاهلش كلمة أب، ومن ناحية الولد اطمن، هناخده بعييد ويستحيل يعرف أي حاجة من اللي حصلت دي، بالتوفيق مع عيلتك يا سعادة البيه
زينب))
وضعت يدها على فمها وعيناها جاحظتان تحدقان بتلك الحروف بصدمة، حادت ببصرها الى جهة الغرفة حيث ذهب، أغمضت عينيها بحرقة وقد انسابت دموعها بألم على حاله، اعتدلت في وقفتها ثم اقتربت من الغرفة ووقفت عند الباب لتجده يجلس على السرير يستند بكوعيه على ركبتيه في حين يبكي بصمت، فهمت بنظرة ما يجول بخاطره الآن، فقد قام بإحدى المرات بنقدها لكونها لقيطة كما كان يفعل زملاء الملجأ قبلا حتى تعايشت مع هذه الحقيقة المرة، والآن وجد أنه كان ليصبح مثلها لولا زواج والدته من الشهم مختار! اقتربت منه آسيا بخطوات بطيئة حتى صارت أمامه فجلست أرضا ثم احتضنت يديه المتشابكتين قائلة بنبرة باكية محاولة التخفيف عنه:
_ ماتقلقش يا حبيبي، تلاقيها ورقة مزورة كتبها الراجل ده و...
قاطعها يهتف بحسرة:
_ يعني يعرف اسم ابويا وامي وتقولي كداب؟ وبعدين يعني ماعرفش خط أمي!
واستطرد يقول بانفاس لاهثة وقد اكتملت الحلقة المفقودة أمام عينيه:
_ كمان ده كان سبب إني ماعرفتش اتبرع لأستاذ مختار بنخاع العظم لما كان عنده ورم، مات من غير ماعرف اساعده، والمفروض انا ابنه، وطلعت مش ابنه
ثم عاد يكمم وجهه بكلتا يديه باكيا بينما يقول بصوت متحشرج:
_ انا كنت يا هبقى جنين اجهضته أمه او....
عاد يحدق بعينيها معتذرا:
_ سامحيني يا آسيا، ارجوكي سامحيني، عارف ان انا غلطت ف حقك والجزاء كبييير
لم تحتمل رؤيته بهذا الضعف لأكثر من ذلك فوقفت ثم عانقته بقوة تحتويه محاولة احتواءه وجعله ينسى جرم ما اقتُرف بحقه من آثام! حتى لم يتكفل احدهما بنطق الصراحة أمامه بل اكتفيا بدفن السر معهما ليعلم هو من طريق آخر غير متوقع بالمرة!
وفي حين وجد ريان من يحتويه ويمتص شحنات ألمه ويعينه على تحمل هذه النائبة المفجعة، لم يكن راضي محظوظا بما فيه الكفاية للحصول على مثل هذه الفرصة! حيث عاد إلى بيته واجما ذا معالم مطفأة يكاد قلبه ينشطر بعد رؤيته لصغيره يتعذب بهذا القدر! فلم يكن يعتقد كون والدته ستصدق بكلامها قبل سنين وتمتنع عن قول الحقيقة، او ينأى عنه أباه ويخبره بكونه ليس طفله! بل استطاع وبجدارة ان يخفي الأمر عنه ويعطيه معاملة الأب التي كان سيفتقدها في كنف راضي! تألم لحسرة ابنه وعذابه الذي تسببت به عاطفته المستيقظة متأخرا، حيث لولا تسرعه لضمِّ ريان إلى أسرته الصغيرة لما كان ريان يذرف الدم بدل الدموع من قسوة ما سمع! جلس على طرف السرير يفكر مليا بحال ابنه الآن، كيف هو؟ هل صدق؟ وإن صدق فما جوابه؟ كيف سينظر إليه فيما بعد؟ هل سيتقبله كالابن البار أم يقطع به كل الصلات؟ وبينما يدور ويدور مع دوامة أفكاره المؤلمة شعر بنغصة مفاجئة اصابت فؤاده ولم تتركه بل ازداد ثقلها عليه ليضع يده على محل قلبه مطلقا آهة عالية اتبعها بوقوعه عن السرير أرضا مغشيا عليه!
عادت الشمس بزيارتها إلى سماء الكوكب من جديد، فتسللت اشعتها عبر النافذة الزجاجية لتداعب رموش آسيا الكثيفة فتفتح عينيها ببطء استعدادا للاستيقاظ، لما تنبهت حواسها انتقل بصرها سريعا نحو هذا النائم بجوارها محتضنا خصرها بقوة مانعا إياها عن الحركة، وقد راق له احتضانها وخفف عنه من حدة سياط ألمه كثيرا، ابتسمت بهدوء وهي تحمد الله في سرها على نجاحها بمساعدته للنوم أخيرا، فما عرف بالأمس ليس بالقليل الذي يعينه على نعاس هانئ، فكان لابد من أن يسبقه سيل من العبرات جفَّفَ قناته الدمعية من قوته! وكذلك هي فقد أصبحت نصفه الآخر الآن وآلامه صارت آلامها أيضا، فليست المشاطرة بالفرح فقط بل الحزن يسبقه في هذا
قررت أن لا تتحرك وقد وجدت تمسُّكه بها لئلا يستيقظ من جديد، فقط ظلت تحدق به بنعومة حتى شعرت بوعكة مفاجئة دفعتها دون تردد إلى الانتفاض عن السرير واقفة مما جعل ريان يستفيق إثر حركتها المباغتة بينما هرولت هي إلى المرحاض كي تستفرغ كل ما تحويه معدتها، ظلت بالداخل قرابة العشر دقائق حتى خرجت وهي تتسند على الحائط لتجد ريان الذي اقترب منها بسرعة قائلا بقلق:
_ مالك يا آسيا؟ فيكي إييه؟
اقتربت منه حتى صارت تستند على صدره قائلة بخمول:
_ اطمن يا ريان مافيش حاجة بس..
ثم أظهرت بطاقة بلاستيكية مستطيلة صغيرة تحوي شريطين باللون الأحمر، لتتسع عينا ريان بصدمة بينما تكمل بسعادة:
_ باين في ضيف هيشرفنا قريب
تناسى الدموع التي جفت حول عينيه في حين يمسك بورقة الاختبار هاتفا بعدم تصديق:
_ بجد يا آسيا؟!
أجابته مع ابتسامة واسعة في حين تربت على كتفه قائلة:
_ ايوة يا ريان، هتبقى أب يا حبيبي
التمعت عيناه بفرحة حقيقية وقد عاد الأمل للإشراق بسمائه من جديد، ففرحة أن يصبح والدا لها مذاق جميل
شظايا القلق عمَّت الأجواء حولهما حيث يقفان بالساحة الكبيرة أمام غرفة العمليات بالمشفى، فقد كان ماهر الذي يقف بجانب الباب منتظرا خروج أحد المسعفين على أحر من الجمر، فقد دلفوا جميعا لاسعافه دون ان يخرج أحدهم وهو ما أطلق إنذار الهلع بقلبه، يكاد يجن حتما بسبب هذه الوعكة الصحية التي أصابت والده على فجأة، حيث استيقظ وزوجه بسمة على صوت راضي الذي أطلق صرخة مفزعة يطلب بها النجدة، أسرعا بإسعافه ويتمنيا بحفاوة ان لا يكون تأخر الأوان، خرج الطبيب من الغرفة بعدما نزع الكمامة عن وجهه ليقابله ماهر الذي هتف بفزع:
_ اي الأخبار يا دكتور؟
أردف الطبيب معتذرا:
_ للأسف، جاتله جلطة في القلب
أطلقت بسمة شهقة عالية الصوت مفزوعة بينما التفت ماهر إلى الطبيب قائلا بتوجس:
_ ودي جاتله من أي دي؟
_ واضح انه زعل جامد وماهتمش بالدوا في اليوم ده
أسرع ماهر يقول بنبرة حازمة:
_ دكتور اعمل اللي تقدر عليه، وأنا من بكرة هنقله مستشفى برة
حرَّك الطبيب رأسه إلى الجهتين نفيا بينما يقول:
_ مافيش مستشفى هتعمل اكتر من اللي بنعمله يا استاذ ماهر، كل اللي عليكم تدعوله يعدي منها على خير
ثم استأذن وهو يهم بالذهاب قائلا باحترام:
_ بعد إذنكم
دلف كل من ريان وآسيا إلى الشقة، عائدين من زيارة طبيب العيادة النسائية، بعدما تأكدا فعليا بضيف سيأتي للإقامة معهما قريبا، يرعيانه ويهتمان به، ويغدقانه بالكثير من الحب والاهتمام، وضع ريان حقيبة الدواء على الطاولة ثم اتجه إلى الغرفة حيث كانت آسيا قد بدلت ملابسها بعباءة منتصفة الأكمام، وقف خلفها وهو يطالع انعكاسها في المرآة بينما يمسد بيده بطنها مقربا فمه من اذنها هامسا:
_ صوت نبض البيبي حلو أوي، مش كدة
وضعت يدها على يده قائلة بإيجاب:
_ اها كان جميل
ثم استدارت إلى الجهة الأخرى كي تواجهه بينما تقول متسائلة:
_ يا ترى هنسميه إيه؟
لاصق جبهته بخاصتها قائلا بحب:
_ الأسامي ليكي يا قلبي
_ نفسي أوي أسمي همسة
رد عليها مداعبا:
_ طبعا رقة زيك لازم تخلف همسة!
ابتسمت بخفة قبل ان تستطرد محدقة بزوجها بتأمل:
_ إنت فرحان يا ريان؟
اجابها متناسيا حزنه الذي كان قابعا على أنفاسه قبل يومين بثقة:
_ إلا فرحان، دانا حاسس ان الفرحة مش سايعاني يا آسيا، هو في اي أحسن من ان يبقى لي ولد، ومن مين؟ منك يا حبيبة قلبي!
اتخذت من ذلك وسيلة للعبور إلى ضفة الأمر الذي تودُّ أن تفاتحه فيه حيث تقول بنبرة ثاقبة:
_ وليه ماتكملش فرحتك بإنك تكلم باباك يا ريان؟
سكنت معالمه واعتقل ملامحه الحزن والعبوس محل الفرحة والسرور، بعد تذكير آسيا له بموقف الاعتراف الذي قام به راضي قبل أسبوع، ترك ذراعيها وهم بالتحرك صوب الجهة الأخرى عازما الابتعاد عنها ولكن لم تدع له الفرصة لذلك بل أحكمت قبضتيها الصغيرتين حول ذراعيه قائلة بجدية:
_ أبوك غلط يا ريان، بس اللي يغلط وغرضه يصلح الغلط ما ينفعش نقوله لا، المفروض نشجعه
اجابها وعيناه باتجاه آخر هاربتان من عينيها:
_ بس كل غلط وله أوان يتصلح، وغلط اللي عامل نفسه ابويا، فات أوانه من زمان!
_ بس يا ريان...
اوقفها يقول راجيا:
_ ارجوكي يا آسيا، أنا عمري ما زعلتك ولا قلت لك لأ فبلاش تضغطي عليا في الموضوع ده بالذات
تنهدت بتعب في حين أجابت بايماءة متثاقلة من رأسها وقد رضيت بالواقع الذي خطَّه زوجها بأقسى القرارات!
اقتحم الغرفة بسرعة دون طلب الإذن لمَّا وجد حالة من التوتر في المكان حيث عدد من الممرضات يدخل ويخرج مع ركوض مستمر، جعل قلبه يكاد يختلج من مكانه وقد استشعر بالخطر يحلق حوله ويعطيه إنذارا بلقاء والده الذي سيكون للمرة الأخيرة على ما يبدو، أسرع نحو والده الذي يحاول التقاط أنفاسه اللاهثة بمشقة، بينما يحاول الطبيب مداواته بحقنة لسريان الدم المتجلط سريعا، ولكن ما ان رأى راضي ابنه البكري كان له رأي آخر حيث نزع جهاز التنفس القابع فوق أنفه متجاهلا هتاف الطبيب بالردع عن ذلك وإنما نادى ماهر بصوت خفيض يرجوه الاقتراب، فامتثل الأخير لأمره سريعا علَّه يعطيها الراحة المطلوبة فيعود والده إلى الجهاز والاهتمام بشهيقه من جديد، أخذ راضي يردد اسمه بتعب فأجابه ماهر بسرعة:
_ أيوة يا بابا في إيه؟
أردف بنبرة متقطعة:
_ ي يا م ماهر، ا انت ليك أخ يابني، ما تسيبهوش
عقد ماهر جبينه بدهشة تزامنا مع قلقه في حين يتساءل مستنكرا:
_ ايييه؟ ازاي ده؟ اخ من مين؟!
أسرع راضي يقول راجيا أنفاسه بالبقاء قليلا:
_ غيري د دفع غ غلطتي، ف ف اوضتي، م مختاااار
لفظ كلمته الأخيرة ولفظت معها روحه إلى بارئها تاركا ماهر الذي ابتعد عنه بسرعة وقد تخبَّط في أكثر من دوامة حيث لا يعرف أيبكي والده الفقيد توا أم يجيب على السؤال أم ينبش في الأسرار المحفورة محاولا فهم كيفية ذلك، أم يترك الأمر وكأنه لم يسمع شيئا وكأن والده قد أصيب بعقله إلى درجة جعلته يهذي؟! كل ذلك وهو يرمق جثمان والده الذي أزاح الطبيب الغطاء على وجهه والصدمة تعتلي معالمه، حيث لا يصدق وفي ذات الوقت اجتاحته رغبة ملحة للبكاء متجاهلا الموجودين! وما أصعب من ذلك تشتت أصابه حتى شعر بكونه صار ممزقا إلى أشلاء!
_ مبروك التسليم يا نضال باشا
كانت تلك تهنئة من أحد الحراس المحيطين به بعدما انتهى من تسليم شحنة مخدرات جديدة يسفك بها دماء العديد من الأرواح الجائعة لهذا السم القاتل، بينما يردف آخر يكبرهم سنا بوقار:
_ إن شاء الله ماتكونش آخر صفقة رابحة يا باشا
التفت إليه على وجه الخصوص نضال الذي أبتسم بخبث قبل ان يجيب وهو يخرج سلاحه من داخل سترته قائلا باستهزاء:
_ أيوة أكيد دي مش هتبقى آخر صفقة، بس الاكيد انها هتكون آخر صفقة ليك انت
ألجم لسانه عن الحديث في حين شحب وجهه كالاموات مشدوها بينما يكمل نضال وقد أظهر سلاحه أخيرا:
_ أصل اللي يخونني مالوش عندي غير رصاصتين
هتف الثاني يتوسله ان لا يفعل راجيا:
_ لا لا يا باشا، أرجوك لا..
أطلق رصاصتين بالضبط كما قال فأرداه قتيلا دون تفاهم ثم سرعان ما أمر بقية الرجال بحفر حفرة لإنهاء وجوده كما حياته
يتبع الفصل السادس اضغط هنا
تعليقات
إرسال تعليق