رواية لقيطة ولكن البارت الثاني 2 بقلم إسراء عبد القادر الوزير عبر مدونة كوكب الروايات
رواية لقيطة ولكن الفصل الثاني 2
_ ألف سلامة عليك يا أستاذ ريان
قالتها وهي تقترب من السرير ببعض القلق البادي بملامحها بينما يجيبها المتسطح عليه بنبرة هادئة يسكنها وجوم كبير:
_ شكرا يا آنسة تمارا
توقفت ما ان أصبحت قريبة منه إلى الحد الذي جعل صوتها الخافت الملئ بالغنج يصل إلى مسامعه حيث تقول بنبرة حزن نجحت بإبداعها:
_ معلش بقى على ضياع الملف، المهم انك بخير
غض بصره عنها إلى الجهة الأخرى متجنبا ما ترتديه من ثياب ملاصقة لجلدها دون استحياء، فأكمل بهدوء:
_ الحمد لله على كل حال
وهنا تلقَّت طرف الخيط الذي ستبدأ به الحديث حيث استرسلت بنبرة اهتمام:
_ ماخدتش بالك من شكل صاحب العربية، او حتى رقمها؟
اطلق تنهيدة متعبة بعدما عَمِدَت لتذكيره بما حدث بالأمس وأدى إلى ضياع حقيبته الغالية، اكتفى باختصار كلماته بنبرة يعلوها الضيق:
_ هو انا لحقت اعمل حاجة؟ العربية جت بسرعة كبيرة، خبطتني واغمى عليا مالحقتش اشوف أرقام
همت لتتحدث من جديد وقد بدا الاستعطاف على معالمها حيث تريد مواساته ولكن اوقفتها آسيا التي دلفت إلى الغرفة دون إنذار مسبق، لينظر نحوها ريان ويرسم ابتسامة مجاملة على ثغره على خلاف تمارا التي امتعضت ملامحها فور رؤية مقاطعتها لحديثهم الهام، تجاهلتها آسيا أو بالأحرى لم تلتفت لها وإنما تقدمت من ريان وهي تقول مع ابتسامة مشرقة:
_ صباح الخير يا أستاذ ريان؟
ثم التفتت الى تمارا قائلة بابتسامة باردة:
_ صباح الخير يا أستاذة تمارا
لم تجبها وإنما عجزت عن تكبيل مقتها الشديد لهذه الغبية حيث تردف بنبرة حانقة:
_ مش كنتي تخبطي الأول قبل ما تدخلي؟ ولا انتي بتعملي كدة مع كل المرضى في المستشفى من غير ما تراعي الإتيكيت؟
فرك ريان جبهته بيده السليمة ضجرا وقد بدأت هذه في المناوشة من جديد بينما ترد عليها الثانية قائلة بنبرة جليدية:
_ في الحقيقة مادخلتش أبدا أوضة مريض قبل كدة إلا من ساعة ما ريان جه، أصل أنا مُحاسبة هنا مش ممرضة
ثم استطردت باستهزاء:
_ وبعدين انا مافهمش يا ستي في الإتيكيت ده ولا أعرف بيتكلم عن إيه بس يوم ماكون عايزة اعرف أكيد مش هعرف منك انتي!
كتم ريان ضحكته عن الصدوح بصعوبة بالغة بينما احتقنت معالم تمارا حتى صارت بشرتها الوانا من كم الحرج حيث انقلبت السخرية على الساخر، فما كان منها سوى أن أسندت حزام حقيبتها على كتفها ثم اتجهت إلى باب الغرفة قبل ان تلتفت إلى ريان قائلة بامتعاض:
_ ألف سلامة عليك مرة تانية يا أستاذ، بعد إذنك
ثم خرجت مسرعة دون انتظار الإذن منه وهي تصدم الأرض بخطواتها ذات الكعب العالي، حيث تتمنى وبشدة لو كان معها قنبلة في تلك اللحظة كي تفجر بها هذه البسيطة المستفزة التي تحاول بشتى الطرق الدخول بحياة ريان متخذة الجيرة كوسيلة! في حين تدري جيدا هدف هكذا لئيمة مثلها تود الحصول على حبيبها الوسيم الذي تعشقه بكل تفاصيله، فإن آسيا تجهل عواقب الاقتراب من ريان وكأن مجرد بقائها معه سيكون بمثابة اللعب بالنار!
خرجت وتركت كل من آسيا التي تقلصت معالمها بضيق شديد بينما يرمقها ريان باهتمام وهو يردف معتذرا:
_ معلش يا آسيا، ماتزعليش يا حبيبتي
هتفت آسيا بعدم انتباه:
_ انا بس مش فاهمة هي ليه بتعاملني....
بترت استرسال كلماتها ما ان استعادت تركيزها والتقطت الكلمة الأخيرة التي لفظها هذا من لسانه، لتحدق ببنيتيه الهائمتين بها شوقا فتبتلع ريقها ثم تقترب منه بخطوات متعرجة إلى أن توقفت أمامه مباشرة ولا يزال بصرها بعينيه مسلطا حيث تقول بنبرة مترددة:
_ إنت قلت إيه؟
أجاب سؤالها بابتسامة واسعة زينت شدقه وهو يرمقها بحب قائلا:
_ إنتي عارفة إن الشنطة اللي اتسرقت مني دي ماكانش الملف بس اللي زعلني إنه ضاع، كان في حاجة تاني اهم منها
دون ان ترمش بعينيها تساءلت بتوتر:
_ اي هي؟
اجابها بتلقائية:
_ دبلة اشتريتها وكنت حاطط في دماغي اول ما تجيبيلي الفطار الصبح اطلب إيدك بيها
تسارعت نبضاتها وبات قلبها يعمل كمضخات تزامنا مع احمرار وجنتيها وجحوظ عينيها غير مصدقة لما قيل الآن، تشعر وكأنها بحلم تتمنى أن يكون بلا استيقاظ! فهي تلك التي تخاف عليه من نسمات الهواء الطائرة، تعشقه منذ قدمت إلى العمارة التي يملكها بصحبة والدها الراحل، فلم يشعل ابدا بصيص أمل صغير لمبادلتها نفس المشاعر، فقط اكتفت بالثلاث مرات التي تراه بهم حينما تطهو له وجبات الطعام خاصة وليس معه قريب يهون عليه ويساعده! لا تصدق أن هذا العقل المتحجر بالطموح لان وسلك دربا آخر غيره وهو الحب والزواج! كما لا تصدق كونها المختارة من بين العديد من النساء!
حاولت استجماع الحروف بمشقة وهي تقول بغير تصديق:
_ إنت بتتكلم جد؟
أجابها مؤكدا:
_ طبعا، وعايز جوازنا يتم ف أقرب وقت، ده إذا ما عندكيش مانع طبعا!
اخفضت رأسها بخجل شديد في حين نطقت بنبرة أقرب الى الهمس:
_ إنت أكيد عارف رأيي
استرسل يقول بنبرة واثقة:
_ وعلشان عارف اشتريت الدبلة علطول وكنت هفاجئك بيها لولا اللي حصل!
لم تتمالك نفسها أكثر من ذلك وإنما اندفعت ساقاها الى الخارج هاربة من نظراته المحبة التي يغقدها بها للمرة الأولى منذ تعارُف وعلاقة جيران دامت لسنوات غلفها قناع الالتزام، بينما ضحك ريان بصوت مسموع، ثم قال في نفسه بهيام:
_ أجمل ما فيكي كسوفك، ربنا يقدرني واسعدك يا بنت قلبي
فمن قال أن المحب يصعب عليه إخفاء مكنونات مشاعره؟! بل يسهل عليه ذلك خاصة وإن كان الحب حقيقيا إلى الحد الذي يدفعه إلى الصبر حتى اتخاذ الشريك في الوقت المناسب، وهو ما فعله مع آسيا بعدما تأكد بنسبة خمسين بالمائة من حقيقة مشاعرها تجاهه فأقدم بشجاعة على هذه الخطوة قبل أن يلحقها آخر وهي التي اتخذت مكانها بنظرهمثل الزهرة اللامعة بين البقية في البستان!
ومرّت الأيام ومعها شفاء ريَّان المتقدِّم حيث اقترب جبر الكسور والانتهاء من مداواة الجراح، والفضل من بعد الله يعود لملاكه التي عَشِقَها وتأكدت ظنونه لما كانت تبادله العشق أضعاف، تبقى معه بلحظات الكرب قبل الفرج، لا تنفك تفارقه حتى باتت كظله، بدون تخطيط مسبق طبعت مكانتها بقلبه، ويا لحظ قلبه الذي صار يتراقص سعادة يعد الأيام الفاصلة قبل الزواج والاجتماع معها تحت سقف واحد مستظلين بجناح الحلال، ويا له من ختام!
وبينما تمر الأيام على الابن سعيدة كمن صار بعالم الأحلام كان الأب يختبر فترة تكاد تكون من أصعب اللحظات التي مرت بحياته، فقد فَقَدَ شهيته عن الطعام حتى مَرِضَ مرتين ولازم المنزل وما عاد يخرج لمباشرة أعماله بل اكتفى بغرفة مكتبه بالفيلا، كان يجلس على الكرسي الجلدي خلف مكتبه الأسود غارقا في التفكير بالأمر الذي صار قبل ايام بعدما قابل ابنه الصغير الذي تخلى عنه قبل أعوام وقد اعتقد قبلا انه لن يقابله ابدا ولكن خالف القدر ظنونه ودبر المولى رؤيتهما من جديد ليصحوَ ضميره بعد غفوة طويلة كي يعنِّفه ليلا ونهار على ما أقدم عليه من عمل سيئ عله يتعظ ويلملم بقايا أخطائه المبعثرة! وبينما يريح ظهره على الكرسي يفكر بمعالم الشاب النائم التي تعد تصغيرا لملامحه هو بالشباب، صدح الهاتف معلنا وصول اتصال جديد، زفر بحرارة قبل أن يلتفت إلى مصدر الصوت ويمسك بالهاتف فيجد شاشته تضئ برقم غير معروف، فيسحب زر الإجابة ثم يضع الهاتف على أذنه قائلا:
_ ألو
_ ألو أستاذ راضي معايا
اتسعت حدقتاه تباعا لصوت الأخير الذي استطاع وبمهارة الوصول إلى أكثر أوتار قلبه حساسية بل والعزف عليها كذلك، لم يسمع هذه النبرة قبلا ولا يراها مألوفة، فقط بها ما يجعله يشعر بالطمأنينة كنغمة تبعث في النفس السلام، تحدث بنبرة جادة:
_ أيوة، مين معايا؟
_ أنا ريان يا أستاذ
هب عن مكانه واقفا رغم ما كان بعضلاته من خمول تام قبل ثوان، لا يكاد يصدق ما سمع الآن بل لم يرد إلى مخيلته كون ريان قد يتصل به من جديد، انتفخت اوداجه انفعالا وترقرقت عيناه بدمع حائر لا تعرف ماهيته اهو سعيد ام واجم! سعيد لكونه يسمع صوت ابنه للمرة الأولى أم واجم لتذكيره بالماضي الأليم والعقوبة التي حصل عليها بعد حرمانه من ابنه الشاب ونسبه الى آخر طيلة هذه السنين!
لمَّا طال صمته برر ريان ذلك بكونه بالتأكيد لا يعرف من المتصل بعد، فأكمل موضحا:
_ ريان مختار يا أستاذ اللي أنقذته من حادثة الطريق من كام يوم، فاكرني؟
تناول شهيقا عميقا زفره على مهل قبل ان ينطق بصوت مبحوح:
_ أيوة افتكرتك طبعا، اهلا بيك يا ريان، عامل إيه دلوقتي؟
_ الحمد لله فل، حاليا خرجت من المستشفى وفترة قصيرة وهفك الجبس، وقلت اتصل عليك وأشكرك على المعروف اللي عملته معايا، بجد ربنا يحفظك
تهتف كل خلية بداخله راجية إياه أن يكمل ولا يتوقف عن الحديث وقد بات صوته كلحن محبب منه لن يمل!
قال بنبرة يحاول جعلها طبيعية:
_ العفو يا إبني على إيه، المهم انك بخير
_ شكرا يا أستاذ
بادر راضي يقول بلا انتباه:
_ إنت إنسان محترم مانسيتش اللي عملته معاك، إن شاء الله يبقى في معرفة بيننا وزيارة يا ريان
_ أكيد طبعا يا أستاذ، ده شرف ليا والله
ثم استطرد محمحما:
_ طيب مش هطول عليك، سلام عليكم
_ وعليكم السلام
ويا ليته أطال وتحدث معه بإسهاب! فحتى هذه حُرِمَ منها راضي الذي شعر بكونه بعالم آخر بعدما اكتملت له صورة عن ابنه الصغير بالدم فقط، فلقد رأى الوجه دون الصوت والآن الصوت دون الوجه، ولابد من لقاء قريب يربط فيه الطرفين معا، ولم يحدد بعد وجهته الجديدة ان كانت بالتقرب منه والاعتراف بالحق أم الاكتفاء بمعرفة شاب يافع وشيخ كبير!
_ حمد الله عالسلامة يا استاذ ريان
_ مرحب برجوعك من تاني
_ المكتب كان مضلم من غيرك
كانت تلك عبارات التهنئة المُطعَّمة بالمجاملة من قبل المحامين الشباب العاملين بالمكتب بما فيهم تمارا، موجهة إلى ريان بمناسبة رجوعه من جديد بعد أن استرد عافيته ولم يتبقَّ سوى الجبس المكبِّل ذراعه وبعض الخدوش التي يمكنه العودة إلى مزاولة العمل مع وجودها، بادلهم ريان ابتسامة سرور قبل أن يقول بحبور:
_ أشكركم جدا يا أساتذة، اهو الحمد لله رجعت وهيبقى الشغل أقوى من الأول
أردف أحدهم ومعالم الحيرة بادية على وجهه حيث يقول بتعجب:
_ بس انت ليه رفضت أننا نيجي ونزورك مع ان ده اقل واجب نقدمه؟
هز ريان رأسه نفيا قبل ان يقول مبررا:
_ رفضت لإن في مناسبة أهم تعملوا فيها الواجب براحتكم
انتبهت كل حواس تمارا مع جملته الأخيرة في حين نال أحد من الزملاء السؤال العالق بشفاهها قائلا:
_ اي يا أستاذ؟
أردف ريان بنبرة تلقائية دون مقدمات:
_ كمان شهرين هتجوز آسيا جارتي، عارفينها طبعا
صدحت الغرفة المتوسطة الحجم بالأصوات العالية حيث ازدادت عبارات التهنئة حفاوة من قبل الموجودين والسرور يكسو وجوههم عدا تمارا التي احتدت عيناها واحرقهما الدمع المكبل المطالب بالإفراج والهطول كقطرات المطر بليلة عاصفة، في حين بهتت معالمها وتقلصت وأحست بالهواء ينفذ من الغرفة حتى اختنقت، وتلك كانت المرة الأولى التي تقع فيها هذه المتحررة صاحبة الثقة المطلقة بمأزق التشتت بين واجهتها أمام الموجودين وبين حاجتها الماسة إلى البكاء والنحيب على حب سرقته آسيا رسميا من بين يديها! أجل فلقد كان الصراع قائما بينهما أيهم يفوز بقلبه، او بالأحرى هي من نظرت للأمر بمنظور الصراع في حين بَصَرته الثانية من منظور العشق الشريف الذي ينتهى بأجمل خاتمة ألا وهي الزواج!
_ آنسة تمارا!
نطق بها ريان بنبرة أعلى قليلا لما لم يأت الرد على سابقتها، ليستيقظ انتباهها من جديد وهي تلتفت إلى ريان قائلة بصوت جاد يخفي ما يخفي من الاختناق:
_ أيوة يا أستاذ ريان؟
_ في حاجة ولا إيه؟
ابتلعت ريقها بتوتر قبل ان تتحدث بصوت ملجلج:
_ ل لا لأ، ب بس يمكن عشان ما نمتش ك كويس
اماء برأسه متفهما قبل أن يقول:
_ تمام، هاتي ملف قضية الملجأ اللي شغالة فيها، عشان اشوف آخر المستجدات
اومات برأسها طاعة ثم خرجت من الغرفة ووجهها ساهم يحدق في الفراغ، خرج خلفها بقية الزملاء، عائدين لملفاتهم كما تاركين المجال لأن يعمل ريان بجد بعد طول فترة انقطاع
بعد انتهاء الدوام، خرجت تمارا من المكتب وقلبها يعتصره الألم ولا يزال بحالة من الصدمة بعد هذه المفاجأة الغير متوقعة! فازت عليها غريمتها وخسرت عشق ريان! فماذا بعد سوى ان تعود إلى المنزل وتنسى ما حدث؟! ولكن قبل الانعطاف صوب المنزل تذكرت ما هو أهم من الدموع والاستسلام، تذكرت موعدا هاما لابد له من الانقضاء، قادت السيارة لمسافة استغرقت نصف ساعة حتى أوقفت المكابح وترجَّلت أمام قصر كبير يتميز بالفخامة والأبهة، يحاوطه رجال ذوي بنية ضخمة وحُلَلٌ سوداء بالحراسة من كل الجهات، ما ان رآها من كانا عند الباب حتى أفسحا لها المجال بالدخول عالمين هذه السيدة من حيث هويتها ومكانتها الخاصة بقلب هذا المكان، اخترقت الحراسة وتجاوزت الباب الخارجي للقصر كي تمر بالحدائق الخضراء كثيرة الأشجار حتى وصلت أخيرا إلى الباب الداخلي فطرقته أولا ثم انتظرت للحظات حتى انفتح الباب عبر أحد الخدم الذي ما أن رآها حتى ابتعد قليلا وهو يقول:
_ اهلا يا تمارا هانم، اتفضلي
دلفت إلى الداخل وهي تنظر حولها متسائلة:
_ الباشا هنا؟
_ اه يا هانم، ثواني اديله خبر
اماءت برأسها في ثقة ثم وقفت تمشي بالبرهة حتى عاد الخادم من جديد قائلا باحترام:
_ اتفضلي معايا عالصالون
سارت خلفه إلى حيث يوجد الباشا، فدخلت الغرفة ثم اغلقت الباب خلفها لتسمع صوته الاجش يقول مرحبا:
_ اهلا اهلا يا تمارا، اتفضلي
اقتربت من الكرسي بخطى واثقة ومعالم جامدة مزيلة قناع البكاء الذي كان منذ بداية اليوم برفقتها، جلست على الكرسي ثم وضعت أحد قدميها على الأخرى، بينما تقول بنبرة تعلوها الجدية:
_ أتمنى يكون الملف فيه حاجة مهمة تستاهل الحادثة دي
_ مهم بس؟ ده كان فيه بلاوي، كويس لحقناه
ثم أخرج أربع رُزَمٍ من الأوراق النقدية المجمعة بواسطة خيط بلاستيكي مطاطي، وناولها إياهم قائلا بترحاب:
_ نصيبك
تفحصت بهم لخمس دقائق تعدهم بالملاحظة، قبل ان تلتفت إليه بحاجبين معقودين قائلة بتساؤل:
_ بس احنا اتفقنا على 15 بس!
_ بس الملف الحقيقة كان مهم جدا ولولا ما عرفتيني امتا هو راجع ومعدي من طريق ايه كان زمان أعمالي ضاعت، الخمسة الزيادة مش خسارة فيكي
أماءت برأسها بفهم وبينما يتحدثان استغل قربه منها بأن حاوط خصرها لتنتفض عنه مبتعدة بينما ترمقه بنظرات مصعوقة أما هو فظل على حاله يرمقها ببرود في حين عينيه تتنقلا على جسدها، ابتعدت خطوتين إلى الوراء بينما تقول بغضب وصوت متردد:
_ قلت لك كذا مرة يا باشا علاقتنا شغل وبس
تجاهل حدتها وغضبها الجم من طريقته الحيوانية في كل مرة يلتقيا فيها معا بينما يردف بنبرة مستهزئة:
_ مش ناوية تسيبك من ريان ده اللي مصدرلك الطناش؟
ثم غمزها قائلا بخبث:
_ وتيجي للي بيقدرك
ابتلعت ريقها مبتلعة معه الخوف من بطشه قائلة بنبرة مقتضبة:
_ آسفة أنا ماليش غير ريان وبس
ثم تحركت متجاوزة إياها دون إضافة المزيد بينما استدار يرى ظهرها وهي تبتعد ليتشدق مستهجنا:
_ ولما انتي بتحبيه أوي كدة، بتسربي معلوماته لينا ليه؟!
كان سؤاله كفيلا بأن تتوقف عن السير ثم تستدير رامقة إياه بنظرات قاتمة متبعة إياها بقولها:
_ الفلوس هي تاني أكتر حاجة بحبها بعد ريان طبعا
ثم استدارت إلى الجهة الأخرى مغادرة المكان تاركة إياه يكاد ينفجر من الغضب بسبب هذه العنيدة ذات الرأس الحجري، حيث يريدها ويتمنى من كل عقله لقاء عابرا يجمعهما ولكن لا تعطيه فرصة أبدا هذه الصارمة!
طرقات متتابعة على الباب جعلته ينهي ربط أزرار قميصه بأسرع ما يمكن ثم يتجه صوب الباب سريعا وقد خمَّن هوية الطارق مسبقا، ونجح تخمينه بامتياز حيث رأى آسيا التي تمسك بيديها بصينية عليها ما لذ وطاب من وجبة الإفطار، وهو ما تقوم به يوميا في الثلاث وجبات دون كل أو ملل، حيث بدأت تقوم بذلك حينما توفي عنه والده حديثا وقد مَرِضَ وقتها وعُلِّقَت له المحاليل بسبب تجاهله للطعام لفترة تتجاوز اليومين، وطبيعة عشقها له دفعتها إلى الاهتمام به يوميا حتى صارت تلك عادتها وجزء من روتينها اليومي، كما هو اعتاد الأمر وصار محبب له رؤيتها كما طعامها اللذيذ، حتى حينما انقطعت عن ذلك لأسبوعين بسبب موت والدها كان يعد الأيام لتستعيد نشاطها من جديد وتأتي له بالطعام كعادتها، فما يمكن لشئ أن يكون حائلا بينهما، قصة عن جيران ثم عشق في الخفاء وقريبا تنتهي بالزواج
_ أهلا اتفضلي يا آسيا
دلفت ومعها الصينية ثم اسندتها على سطح أقرب طاولة ثم عدلت من إسناد حزام الحقيبة على كتفها استعدادا للخروج ثم التفتت الى ريان قائلة:
_ طيب أنا همشي دلوقتي، عايز حاجة؟
رفع سبابته أمامها يأمرها بالتوقف قائلا:
_ استني
إمتثلت لأمره مصغية لما يريد، بينما أخرج هو من جيبه رزمة من الأوراق النقدية ذات فئة المائتين ثم مدهم إليها قائلا تحت انظارها المتسائلة:
_ خدي دول واشتري الحاجات اللي تلزمك للفرح يا آسيا
رفعت آسيا أحد حاجبيها في استنكار شديد تتبعه بقولها:
_ ده لسة على الفرح شهرين! ما تستنى شوية تكون الماديات ظبطت، مش كفاية قبلت بدري أوي كدة؟ بلاش تتقل على نفسك
ظل على حاله دون أن يعيد النقود قائلا بإصرار:
_ عيب ماتقوليش كدة يا آسيا، إنتي قريب هتبقي مراتي والمفروض أكون ضامن لك اقل حاجة من الحاجات دي، يالا خديهم واجري على المستشفى عشان ما تتأخريش
أومات برأسها بطاعة ثم تناولت النقود من بين يديه وهمَّت لتستدير عازمة الذهاب، ولكنها توقفت سريعا وكأنها تذكرت لتوها أمرا هاما، رفعت بصرها كي تنظر إلى ريان قائلة بريبة:
_ إنت كلمت الراجل اللي جابك المستشفى ف يوم الحادثة يا ريان؟
اماء برأسه إيجابا وهو يقول مؤكدا:
_ طبعا اتصلت عليه وكلمته، وافتكرني ورحب بيا كمان وقالي فيما بعد نبقى نتقابل ونزور بعض علطول
ثم شرد بعينيه كما شرد عقله وهو يردف مستطردا:
_ ماقدرش اقولك صوته حسيته مألوف ليا ازاي؟ شخص اول مرة أكلمه بس حاسس إني اتكلمت معاه من سنييين طويلة، معقول أكون قابلته قبل كدة؟
ابتسمت آسيا بنعومة قبل أن تقول متسائلة:
_ طيب طالما هو كريم اوي كدة، ما تجرب تتصل عليه وتعزمه على فرحنا
عاد ببنيتيه إليها وكل ما للهفة من معنى بنظراته، حيث يردف مستفهما:
_ معقولة ممكن يوافق؟
اجابته بنبرة تأكيدية:
_ طبعا، إن شاء الله يوافق، إنت ما شفتهوش كان قلقان عليك ازاي يوم الحادثة، صدقني هيوافق قلبي بيقولي كدة
تنفس بعمق ثم سلط نظره بعينيها قائلا:
_ إن شاء الله
بعد مرور يومين،
_ ريان انا لازم اقابلك دلوقتي حالا....إنت فين؟....خلاص هجيلك استناني....ما ينفعش عالتليفون....سلام
ختمت بها تمارا مكالمتها التليفونية التي لم تتجاوز الدقيقتين وأتبعت ذلك بابتسامة ساخرة من جانب فمها، حيث تقول وهي تمسك بجانبي المِقْوَد بشئ من الاستعلاء:
_ مش انا اللي اخسر ومش انا اللي اتركن عالرف، وطول ما عايزة حاجة هاخدها ولو غصب عن عين مين، وكل الفضل للفلوس إللي بسهولة أوي ممكن تغير المبادئ 180 درجة وتفتح الأسرار اللي المفروض انها اتدفنت من زمان! ويا محاسن الصدف اللي جمعتني مع ملجأ ...... اللي فاجئني بأجمل هدية والمفروض استغلها
يتبع الفصل الثالث اضغط هنا
تعليقات
إرسال تعليق